Thursday, January 16, 2014

مقابلات امحوتب

فتح باب المقبرة بعد ان تأكد ان كل تفصيلة من تشييدها قد أُتِم على أكمل حال. لم يعرف كم من الوقت أخذ هذا العمل الشاق. لكنه يذكُر عندما طلبه الملك زوسر وأمره أن يبدأ فى تشييد مقبرة تكون نقلة حضارية فى تاريخ الانسان. وقتها، نزل يجوب الحقول الخضراء باحثا عن الفكرة. بعد أيام، ضاقت به الدنيا فرفع رأسه يطلب العون من السماء. ليته يمد يده فيطول السماء ويحادث الآلهة ويستشيرهم. يطول السماء؟ وهنا جاءت الفكرة. السماء. يجب رفع المقبرة الى السماء، وأبعاده قدر المستطاع عن جوف الأرض. ولكن كيف؟ لو وضعت على شجرة لانكسرت ووقعت مع مرور الزمان. إذن لابد من بناء مسطبة تلو الأخرى على أرض مرتفعة والحفر داخلها حتى تكون مقبرة الملك. جهز الرسومات وقدمها للملك الذى استحسن الفكرة وبدأ العمل. اختار امحوتب امهر العمال وعرض عليهم مكافآت مجزية للقيام بالمهمة على أكمل وجه

وها هو ينتهى من عمله ويخرج للحياة. لكن. ماذا حدث؟ كيف تحولت الحجارة الجيرية الى زجاج لامع؟ من هؤلاء؟ وما هذا اللباس الغريب؟ اين النيل؟ وجد الناس من حوله يحدقون فيه كيفما يحدق فيهم. حاول الكلام لكنهم لم يفهموه ولم يفهمهم. هل ضللت ارض النيل؟ هل خرجت على بقعة أرض من حضارة أخرى؟ اين النيل؟ ظل يمشى، خرج فى الشارع. مبانى مبهرة وارض مستوية وعمارات عالية. كيف شيدوا كل هذا. وكيف يثبتوا الحجر فوق بعضه الى هذا الارتفاع فلا يسقط وينهار؟ رأى نهراً أمامه فهرع اليه: النيل. معقولة هذه مصر؟ لكنه فور لمسه ماء النهر أستوضح انه ليس على ارض مصر وهؤلاء ليسوا بمصريين. بل وهو فى زمن آخر ومكان آخر. جلس على جانب النهر يحاول تدبر أمره. حتى اقتربت منه فتاة شقراء وقالت له: هل استطيع التحدث معك؟ فهم ما قالت وذهل. فأعادت. هل تفهمنى؟ قال: نعم. فاستكملت: انا فرانسواز. باحثة فى علوم الآثار المصرية. لم يعرف كيف يقدم نفسه. هو معروف فى بلاده ولا يحتاج لتعريف نفسه. فهو مصرى. وهى تفهم ذلك. فرحب بها وسكت. لكنه استجمع فضوله وسألها: كيف تشيدون هذه المبانى العالية؟ قالت انها لا تعرف بالظبط لانها ليست مهندسة. لكن هناك مبان اكثر علو بعشرات الأضعاف فى بلدان أخرى. نظر اليها بذهول وسألها: هل هذه مقابر؟ ضحكت ولم يفهم لما تضحك فقالت: لا هذه، عمارات سكنية ومكاتب عمل ومحلات تجارية. قال: وأين المقابر؟ أوضحت له ان المقابر تكون عادة خارج المدينة وهى لا تتعدى حُفر فى الأرض وحجرة يكتب عليها اسم المرحوم. تعجب من كلامها: أتسكنون قرب السماء وتدفنون موتاكم تحت الأرض؟ فضحكت ثانية وقالت: ومن يهتم بالموتى؟ العلم الآن يركز على توفير أفضل حياة صحية وعملية وترفيهية وغيرها. الحياة اليوم قوامها العلم

سألها: ما هو اليوم؟ ردت انه الاول من شهر يناير سنة ٢٠٠٠ بعد الميلاد. لم يفهم اى ميلاد لكنه فهم انه فى عالم يسبقه على الاقل بألفى عام. قال: والآلهة؟ اى آلهة تعبدونها إذن؟ أعادت الضحك واستطردت: بعضنا يعبد اله واحد فى السماء ومعظمنا يركز على العلم فقط ليأخذ زمام الأمور فى يديه. فقد تعلمنا على مرور السنين ان الديانات تلجم العقل وتفرق الخلق وتعرقل التقدم. انظر الى بلادك الآن وما حدث لها من تخلف بعد رخاء وتراجع بعد تصدر للحضارة. لم يفهم ما علاقة ذلك والآلهة. الا تبارك الالهتهم التطوير والعلم؟ وقد استثمر عمره كله فى التطوير العمراني والطبى راجيا مقابلة طيبة مع أوزوريس فى العالم الآخر فيصاحبه الى جنة الخلد. كانت فرانسواز تعرف ما يدور بخلده، كما عرفت انه من مصر القديمة من هيأته، فأخذته من يده وعادت به الى متحف اللوفر ووقفت امام الأهرامات الزجاجية. أخبرته ان هذه الأهرامات وغيرها فى مصر وبلاد أخرى تستخدم كمزار سياحى الآن، يأتيه الزوار للفصحة والتنزه. وأن الناس هنا قد وصلوا الى القمر والكواكب الأخرى عن طريق مراكب فضائية. لكن الدافع لذلك الجهد هو تعمير الأرض والسيطرة على مفردات الحياة. بلا تدخل لأى اله

أراد أن يستفسر منها أكثر عن ماذا فعل الآله حتى يتم محوهم من الحياة. ولكنه أحس أنه حديث غير لائق. فسألها: كيف ارجع الى مكان وزمان ما جئت. طافت به بضع مرات حول الأهرامات الزجاجية حتى تحسست قطعة من الزجاج، فتحركت ودخل فيها الى الممر الصخرى ثانية

ظل يمشى آملاً ان يصل الى عالمه سالماً. وجد بابا ففتحه وأطل منه بحذر. رأى صحراء جرداء شاطت بزوبعة رملية ملأت فمه رملا فى ثوان. ظل مكانه حتى هدأت العاصفة وعَلّم المكان بالنجوم، فهو علامة فى الفلك.  دفعه فضوله للخروج. ووجد ماءاً يلمع عند مرمى البصر، فتبعه حتى انجلا وظهر فى ناحية أخرى فأدرك انه السراب. فاستكان حتى الليل واتبع النجوم. مر بقرية، ذات خيام منصوبة مثل عادة البدو فى الصحراء. يعرف هؤلاء القوم جيداً من سفراته للتجارة. اقترب وجلس حد الرجال. سألهم بما قد تعلمه من لغتهم عن تاريخ اليوم. فاستغربوا السؤال وقالوا الاول من ذى الحجة من عام الالف وأربع مائة بعد الهجرة. ففهم انه وقت بعده كذلك. سأل عن العقيدة. فأجاب كبيرهم أنهم موحدون والحمد لله. فأعجبه ان هؤلاء قد تمسكوا بآلهتهم. فسألهم عن الحياة الآخرى. فشرح الشيخ انهم يصلون ويذكرون ويزكون ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. فاستطاب كلامهم. وسإلهم عن سبب تمسكهم بالخيام وعدم اهتمامهم بالتطوير وتحسين ظروف الحياة. فقالوا هذا ما وجدنا عليه آبائنا. سألهم عن الطب والهندسة. فقالوا: تمسكنا بما وجدنا عليه آبائنا. فإن ديننا يقول ان كل ابتكار بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار. لذا نحن نتمسك بنهج السلف الصالح.


سلم عليهم وتركهم وهو يفكر كيف يتعارض التطوير والإبداع والتحديث مع ارادة الآله. يا لها من أزمنة عجيبة. إما يعطون الحياة الأولى حقها فيبنون حضارات عجب العجاب، إما يؤمون بالحياة الأخرى فيتجرون مكانهم على مر مئات السنين. ونحن الذين سبقناهم بآلاف السنين فهمنا اهمية تطوير وتحديث الحياة تقربا من الآلهة وابتغاءا حياة كريمة فى الحياة الأخرى

No comments:

Post a Comment